في لقاء ظريف جمعني قبل عدة أيام بعدد كبير من أطفالنا في إحدى قرانا الفلسطينية العامرة هالني ما سمعت من ذاك الحشد المليء بالعزة والعنفوان والطاقة.
فبعدما سألتهم عن عدد مرتادي الإنترنت وكانت الإجابة ساحقة بشكل يجعل أرقام الجهاز المركزي للإحصاء بهذا الخصوص محل شك، فاجأني أن ٩٠٪ من هذا الجمهور المستطلع يستخدمون "الفيسبوك" رغم أن أعمار أكبرهم سنا لا تزيد عن ١٢عاما، الأمر الذي من المفترض وحسب شروط موقع الإعلام الاجتماعي الشهير أن يخضع لبند واضح بحيث لا يقل عمر المشتركين عن ١٨ عاما.
العامل المذهل الآخر كان في أن أغلبيتهم قد أقروا بأن أهلهم لا يعرفون عن نشاط أبنائهم في الموقع المذكور إطلاقا.
ومع أنني أرفض فكرة الرقابة على النشاط الإلكتروني ومبدأ حجب العالم الافتراضي عن الأبناء وتشغيل برمجيات رقابية معينة، إلا أنني من أنصار العلم بالشيء ومشاركة الأبناء من خلال النقاش والمتابعة فيما يرتادونه.
كما أنني من أنصار التنشئة القويمة التي تحذر من مخاطر العالم الافتراضي، والتحدث رقميا مع الأغراب والانغماس في الانعزال، وإهدار الوقت في المحادثات الحية والألعاب الإلكترونية، والإدمان المستفحل على الشبكات المذكورة، لكن أشد اهتماماتي تتمحور حول علم الأهل بالعالم الافتراضي لعدة أسباب:
١- ضرورة الاطلاع على العالم الافتراضي الذي توفره الإنترنت، بحيث يعزز هذا الأمر من فرص التعرف على الإيجابيات والسلبيات، وبالتالي توجيه الأطفال والناشئين بما يتناسب وأعمارهم، واهتماماتهم وحمايتهم من الآفات الاجتماعية وأخطار الاحتكاك المطبق بعالم الأغراب على الإنترنت.
٢- محاولة تقليل الفارق الرقمي الناتج عن دراية الأبناء بالتكنولوجيا، بالمقارنة مع جهل الآباء بها، الأمر الذي خلق ويخلق مسوغا لدى الأبناء للاستخفاف بأهلهم على اعتبار أنهم، أي الأبناء، يحتلون مستوى معرفي أفضل.
٣- الاشتراك فيما يشترك به الأبناء من مواقع اجتماعية وصفحات افتراضية بغرض النصح المستمر دونما إكراه، والتوجيه دونما استفزاز.
إن ما يقال في التقارير الصحافية التي تناولت إسقاط الشباب الفلسطيني في شرك الجاسوسية ليس أمرا سهلا، وما يجري الحديث عنه من محاولات مستمرة لفرض رقابة إسرائيلية على ما يتطوع به شبابنا على منصات التواصل الاجتماعي من معلومات ليس أمرا بسيطا، بل هو في مجمله ساحة مفتوحة لتحديد توجهات مجتمع بأسره، ومراقبة مزاجه العام ومؤشراته الاجتماعية، وفرصة سانحة لتوجيه الشباب في اتجاهات تشتت الهدف الوطني وتخدم إحباط هذه الفئة أو إلهائها في هموم مختلفة، وصفحات صفراء تقتل ثقتها بمجتمعها وتحطم آمالها، وتفقدها الثقة بمؤسساتها الوطنية، وربما أحزابها السياسية.
لذا وجب تحرك المربين والمجتمع باتجاه التنبه لمخاطر العالم الجديد الذي تفرضه الإنترنت والذي لا نرغب ولا نستطيع أن نتجنبه بل يمكننا درء عيوبه ومخاطره.
لذا، فإن الدعوة للانتباه هذه ليست حثا على العزوف، بل حضا على العلم بالشيء وحماية شبابنا من متاهة الإلتهاء، أو الاستباحة، أو حتى الضياع، فالعالم الجديد الذي تفرضه التكنولوجيا المتسارعة في نموها يجب ألا يكون صندوقا أسودا محتكرا من قبل الجيل الشاب، وإنما فرصة لتطوير دراية الشيب بعالم التقانة.
فالعالم البعيد عن فضول المعرفة والتعرف كمن يصطاد سمكا في مستنقع ضارب في الركود.