لا يبدو أن هناك أي تطوّر يذكر في مجال الصحة النفسية الخاصة بالمجتمع الفلسطيني المقيم في لبنان. لعلّها الخلاصة الأبرز والوحيدة التي توصّل إليها المشاركون في الندوة السنوية الخامسة حول الصحة النفسية التي تنظّمها «المؤسسة الوطنية للرعاية الاجتماعية والتأهيل المهني - بيت أطفال الصمود»، علماً انه يسجّل لندوة أمس معالجتها عمل المرشدين الاجتماعيين والمعالجين الصحيين بالقدر نفسه الذي حاولت فيه معالجة الصحة النفسية والمشاكل الاجتماعية لدى الفلسطينيين عموماً وأطفالهم خصوصاً.
إلى ذلك، ومن دون الغوص في التفاصيل والجدوى، قدّمت تلك الندوة عدداً من الدراسات، فذكّرت بالدراسة الأخيرة التي أعدّتها «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (الأونروا) بالتعاون مع «الجامعة الأميركية في بيروت».
وخصّصت محوراً خاصاً بمخيمي نهر البارد والبداوي، فقدّمت الطبيبة النفسية مادلين بدارو طه دراسة أعدّتها لـ"بيت أطفال الصمود" حول الصحة النفسية لأطفال البداوي ونهر البارد، خلال الفترة الممتدة ما بين الأول من تشرين الأول وآخر كانون الأول من العام 2010. وقد شملت ثلاثين طفلاً من البداوي، من ضمنهم أطفال لبنانيون، وسبعة وخمسين طفلاً من البارد، من ضمنهم أربعة لبنانيين يعيشون الظروف نفسها التي يعيشها أهل المخيمين. وأدخل أهلهم ضمن الإحصاء.
فتمت مراقبة خمسة عوامل لدى العينة: الاضطراب، والتأخر النفسي، والمشاكل الصحية، والعوامل الاجتماعية الضاغطة، وتأثير الاضطراب على حياة الطفل أو المراهق. وتبيّن أن نسبة الذين خضعوا للمعالجة بسبب مشاكل نفسية، كانت كبيرة بين الذين تخطوا سن التاسعة عشرة من العمر في مخيم نهر البارد. فيما تعادل الأطفال ذوو المشاكل في النطق أو النمو أو الدراسة الأكاديمية بين المخيمين.
وسجّلت الدراسة لدى سكان المخيمين، مشاكل في العلاقات الأسرية، لكنها نسبتها تظهر أكثر ارتفاعاً في البارد، وسجّلت من ضمنها حالتا تعنيف للأطفال.
وتبيّن أن حالات الاضطرابات في مخيم نهر البارد أقوى، وإذ تعادل مع البداوي على مستوى المشاكل الصحية الجسدية، فقد سجّل لدى العينة المتخذة من أطفاله، خمس حالات لديها مشاكل في السمع، كما حالات أخرى من الصرع. وتبيّن أنه تمّ صرف أدوية وعقاقير لمعالجة الحالات النفسية في البارد أكثر مما صرف في البداوي، ما يحمل إلى الاستنتاج بأن ذيول معركة البارد ما زالت قائمة حتى يومنا هذا.
بعدها، عرض الطبيب النفسي فرنسوا أزعور لدارسة مشابهة أعدّها بالتعاون مع الدكتور وسام خير، انطلقت في نيسان الماضي، وما زالت مستمرة. فقدم أزعور بعضاً من نتائجها، موضحاً أنه، بحسب الأهالي، يعاني أطفالهم من مشاكل مدرسية، ومن العدائية، والقلق. بينما وجدت الدراسة أن معظم الحالات تعاني من الاكتئاب والاجهاد الحاد والصرع. وترى نسبة خمسين في المئة أن الفقر هو السبب الرئيسي للحالات النفسية التي يعيشونها وأطفالهم.
في محور آخر، عالجت الندوة العوامل المؤثرة في الصحة النفسية في فلسطين، فشرحت الناشطة الاجتماعية ليلى عطشان كيفية بقاء المعالجين الصحيين في صحة ذهنية جيّدة، أمام كل ما يعانون منه لجهة الضغط النفسي، لا سيما داخل الأراضي الفلسطينية.
تعمل ليلى في الشأن الاجتماعي منذ الانتفاضة الاولى وحتى اليوم. لكن العمل الأصعب الذي خبرته كانت خلال الانتفاضة الثانية، حين انسحب الحصار الجسدي حصاراً فكرياً على الناس. وقد أضيف إليه عنف جسدي وضغط نفسي ما زال يمارسهما المحتل.
واعتبرت ليلى أن من أولى المهمات في مثل تلك الأوضاع، العمل مع مقدمي الخدمات لأنهم في مثل تلك الظروف إما يخضعون لمنافسة سلبية أو يشعرون بالعجز. من هنا، وجهت إليهم توصية بتفريغ الضغط والتواصل في ما بينهم لنتائج أفضل.
أما الأطفال أو الاشخاص محور المعالجة، فترى عطشان أن من أفضل الطرق المعالجة لحالاتهم تفعيل أحلامهم وتنشيطها وزرع الأمل لديهم.
بعدها، قدّمت الدكتورة جومانا عودة نبذة مصوّرة عن وسائل الترهيب التي يعتمدها المحتل، مخترقاً الأعراف والمواثيق الدولية التي تعني الأطفال، ومنها الحق بالتعليم وعدم التعرّض للعنف والأخذ كدرع بشري... يذكر أن افتتاح الندوة تخللته كلمتان لكل من سفارة النروج ألقتها القائمة بالأعمال ماي تونهايم، وسفارة فنلندا ألقتها باسم سفيرها سيركو كيفيستو، وقد أكدتا على معاناة الفلسطينيين سواء في الداخل أم في البلدان التي لجأوا إليها، والتي بدورها تمارس ضغوطاً عليهم، على غرار لبنان الذي مازال يمنعهم من حق العمل.
عن السفيراللبنانية