في الوقت الذي يجمع فيه العالم على تخصيص يوم عالمي للعمال، لا يجد أطفال مدينة قلقيلية بداً من ارتياد أعمالهم المألوفة، رافضين تفويت يومٍ من كسب الرزق، إذ لا مؤسسة ينتمون لها تمنحهم أجرة يوم عمل، بلا عمل!!هكذا احتفل الأطفال العاملون بيوم العمال، مستغلين إجازة المدرسة لعمل ساعات أطول، فالطفل و.ي 11 عاماً، كان هذا اليوم فرصة لا يمكن تفويتها، فقد فسر سبب تواجده المبكر في حسبة قلقيلية، أنه لا يعمل سوى أيام العطلة الأسبوعية، والعطل الرسمية هي فرصة جديدة بالنسبة له، وعن مبرر عمله يقول أعمل لمساعدة والدي الذي تراكمت ديونه وأثقلت علينا، وبما أنني أكبر أخوتي، فعلي تحمل المسؤولية، ويؤثر الطفل زبونه، على منح سائله مزيداً من الكلام، إذ يحمّل الأغراض والخضار على عربته الصغيرة ويجرها تجاه مجمع التكسيات مقابل خمسة شواقل لكل نقلة.أما ع.و، 11 عاماً، فهو يدافع عن نظرة الشفقة تجاهه بإمتحانه الذي يرافقه، ربما لهذا الغرض، فقد حصل على علامة عالية في امتحان التربية الإسلامية، ويقول: بعد انتهاء دوامي المدرسي، أتوجه للبيت فالتهم غدائي ثم أذهب وعربتي إلى السوق لكني لا أهمل دروسي، إذ اصطحب معي كتابي فادرس عندما لا أجد عملاً، كما أن أخي الأكبر يساعدني عندما أتعب إذ يعمل بدلاً مني. ويضيف ينبغي علينا مساعدة والدي الذي يشتكي من إعاقة في قدمه.
نحاس، وليس حديد!!الطفل م.ق، 9سنوات، كان يجمع الخردة بالقرب من عمال البناء، وعند سؤاله عن سبب جمعه للحديد، أجاب إنه نحاس، أنا لا أجمع الحديد لأنه رخيص لكن النحاس سعره أغلى فالكيلو تصل إلى 25 شيقلاً، والطفل يعمل لسد مصروفه الشخصي، إذ يجمع المال من أجل رحلته المدرسية، مع العلم أن والده يعمل في إسرائيل، لكن والدته تشجعه على العمل بيده وتوفير المال!!
ويعمل الطفل ص.ق،10 سنوات، في المجال نفسه لكنه لا يشترط النحاس! فهو يصحب عمه على عربته لجمع الخردوات، بما فيها الحديد والنحاس والبطاريات الفارغة، وغيرها، وهذا الطالب هو في الصف الخامس، لكنه يجيد جمع الخردوات، أكثر من كتابة اسمه، إذ أنه لم يتقن بعد الحروف الهجائية، فهو يركض من مدرسته تجاه عربة عمه، ويصحبه أيضاً في أيام العطل، كما أنه يتغيب عن المدرسة لأجل ذلك.لكن جمع الخرودات تصبح مهنة سهلة إذا ما تحدث الطفل ه. غ، 14 عاماً،عن طبيعة عمله، إذ يستقبل السائل بأيدٍ وملابس يكسوها الغبار، ويقول : بعد مدرستي نذهب أنا وأخوتي إلى مصنع البلاستيك، ونقوم فيه على إعادة تصنيع الأدوات البلاستيكية، أما أنا فأحرك ماكنة ضخمة باستمرار، وهي تتعب يدي وظهري، إذ علي تكرار ذلك مرات عديدة، ويضيف، إن يوم العمال هو لا يعنيه سوى يوم إجازة يستغلها لعمل ساعات أطول.
الطفل المعيل...هو لا يتجاوز المتر سوى بسنتيمترات قليلة، نحيل أيضاً، وشمس السوق زادت بشرته دكانة، الطفل، أ، ن 14 عاماً يقضي فترة ما بعد دوام المدرسة، ولا يترك عربته إلا عندما يغلق السوق، يعود وإياها بغنيمة يوم لإعالة أسرته المكونة من سبعة أشخاص بلا أب، وعن سبب عمله يجيب: أنا المعيل الوحيد للأسرة وعلى استثمار كل وقتي للعمل وتحصيل ما أستطيع من المال، بعد أن تركنا أبي وتزوج ثلاث نساء بعد أمي، وهو لا يلتزم تجاهنا بالمصروف، كما أنه يسكن مع إحدى نسائه داخل الخط الأخضر فلا نراه. أما عن مستواه الدراسي فيعلق: كيف لي أن أحصل على مستوى جيد وأنا لا أجد الوقت للدراسة، حتى أيام العطل أعمل فيها وأعود إلى البيت منهكاً فلا أستطيع استيعاب أي شيء.
ويحظى الطفل أ.ر، 14 عاماً بشعبية خاصة في السوق، كما أن له لقباً ينكيه به التجار لكثرة حركته ودماثته وصوته المميز، الذي يرفعه لتصيد زبائنه، هو يعمل أيضاً على عربة صغيرة، لكنه لا يستجيب سوى لمن يريد أن يحمله الأغراض، أما من يسأله عن سبب عمله، فلا يرد عليه سوى بظهره، وفراره من المكان، لكنه زملائه الأطفال العاملون يجيبون بأن والده أصم وأبكم، ولا يجد عملاً يناسبه، وبذلك يتطوع الطفل مجبراً لحمل مسؤولية أسرته، والقيام بدور الأب رغم صغره.
هذه أسواق مدينة قلقيلية، يزاحم أطفالها تجارها الكبار، لا يعرفون عن يوم العمال سوى بوم إجازة تمنحهم ساعات عمل إضافية.