لم
يعد محل نقاش واختلاف ما يتمتع به الإعلام بكل أنواعه ووسائله من دور
أساسي في التنمية البشرية الإنسانية والمادية، ومن تأثير في صنع السياسات،
والتأثير على اتجاهات تطور الفرد
والمجتمع من بين وظائف أخرى ترتبط
بمدى القدرة على تأديتها بشكل ايجابي بنائي، بجملة من الشروط لعل قاعدتها
الأساسية تتصل بطبيعة النظام السياسي السائد، وبمستوى التطور الاقتصادي
الاجتماعي السياسي، والثقافي في هذا المجتمع أو ذاك .
وما
دمنا في هذا المقام فانه ينبغي التأكد أيضاً على جدلية الترابط والترابط
بين خصائص وسمات ووظائف، وآداب وجوهر الإعلام، ومدى تمتع الجمهور بحقوق
الإنسان التي أصبحت معروفة ومعممة دولياً، ويكاد لا يخلو منها دستور أو
قانون عام .
وبالرغم
من أن المواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، وكذلك الدساتير والقوانين
العامة الوطنية، تهتم بالمعايير الاجتماعية، إلا أن ثمة دائماً خصوصية
للأطفال تستدعي إصدار أو لوائح أو تفسيرات وضوابط تفصيلية تتناسب والحاجة
لزيادة الاهتمام بالأطفال، نظراً لأهمية الاستثمار في هذا القطاع الإنساني،
بما أنه يشكل أساس التنمية ومستقبلها .
وعدا عما هو معروف من مواثيق ومعاهدات دولية تتصل بحقوق الإنسان، فإن بوسع أي دارس أو متتبع أن يرصد أكثر من ثمانين اتفاقية دولية، أو بيان تعتني بشكل أو بآخر بوضع الطفل .
اتفاقية
حقوق الطفل التي تبنتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1989م رصدت
مجموعة حقوق الطفل واحد وأربعين بنداً تشمل حقوق الطفل، وثلاثة عشر بنداً،
تخص التطبيق ودخول حيز التنفيذ .
لا مجال لذكر كل هذه الحقوق ولكن بوسع
المرء أن يتصور مدى شمولية ودقة وخصوصية التعامل مع الأطفال ، بسبب ضعفهم
ولأنهم يحتاجون لرعاية وحماية خاصة .
القانون
الأساسي الذي صودق عليه في 29/5/2002، ودخل حيز التطبيق في 7/7/2002م،
تضمن نصوصاً واضحة حول الحقوق والحريات، وقد تضمنت المادة التاسعة عشر منه،
جملة من الالتزامات التي تكفل الحريات الإعلامية والصحفية وحرية الرأي
والتعبير والنشر والكتابة .
كما
أكدت المادة الثانية من قانون المطبوعات والنشر، قانون رقم 9 لسنة 1995م،
الذي صدر بتاريخ 25/6/1995 م، على حرية الصحافة ووسائل الإعلام، وان كان
القانون يحتاج إلى إعادة نظر باتجاه مزيد من الديمقراطية، وتعميق وتوسيع
الحريات، ورفع القيود المفروضة على الحريات الإعلامية .
وإذا
كانت الكثير من مؤسسات المجتمع المدني قد سعت وطالبت بتنفيذ قانون الطفل
الصادر عن المجلس التشريعي عام 2004م، إلا أنني كما أعلم، لم توضع اللوائح
التنفيذية ، ولم يطبق ما هو متعلق بهذا القانون على الرغم من الأهمية التي
يمثلها .
دور الإعلام والإعلاميين في متابعة ومناصرة ورصد حقوق الطفل :
لا
بد من التأكيد قبل كل شيء بأن الصحافة المهنية النزيهة والموضوعية تعتبر
عنصراً أساسياً في الاستراتيجيات الإعلامية التي تستهدف تطوير الجودة في
تغطية ومعالجة حقوق الإنسان والمجتمع .
علماً أن التحدي الأكبر أمام
الصحفيين والمؤسسات الإعلامية يكمن في مدى امتلاك القدرة والأهلية والكفاءة
لتغطية الأمور المتعلقة بالطفل وحقوقه وملاحقة الانتهاكات والتجاوزات التي
تقع في مجال ممارسة الحقوق .
ويجدر
التأكيد على أن اتفاقية حقوق الطفل تمثل مجموعة متفق عليها من المعايير
والالتزامات التي تعطي الطفل موقعاً مركزياً في السعي من أجل بناء مجتمع
يسوده العدل والاحترام والسلام .
وتحدد الاتفاقية بوضوح حقوق الإنسان الأساسية للأطفال كافة في كل زمان ومكان وهي :
1) حقهم في البقاء .
2) حقهم في النمو إلى أقصى الحدود .
3) حقهم في الحماية من المؤثرات الضارة والأذى والاستغلال .
4) حقهم في المشاركة في الحياة الأسرية والثقافية والاجتماعية مشاركة كاملة .
وتمثل
هذه المعايير معالم مرجعية يمكن أن يقاس بها التقدم، كما أن الدول التي
تصدق عليها ( 191 دولة منذ 1989م، حين وضع الاتفاقية ) ملزمة بأن تراعي
دائماً مصالح الطفل في أعمالها وسياساتها .
ويتعين
أن تتاح لكل طفل أياً كان مكان ولادته أو عنصره، أو الفئة الإثنية التي
ينتمي إليها ذكراً كان أو أنثى، غنياً كان أم فقيراً، الفرصة الكاملة لأن
يصبح عضواً منتجاً في المجتمع وأن يكون له الحق في الإفصاح عما في نفسه وفي
أن يُستَمع إليه .
تعريف الطفل :
تعرف
الاتفاقية الطفل بأنه أي صبي أو فتاة لم يتجاوز الثامنة عشرة، وتعتبر
الطفل فرداً وعضواً في أسرة ومجتمع معاً، والطفل إنسان له طائفة كاملة من
الحقوق .
ثانياً: توفير البرامج الإعلامية التوعوية الفاعلة في تمكين الطفل من معرفة حقوقه، وآليات تحقيق هذه الحقوق بصورة واضحة ومفهومة .
ويتطلب
ذلك إعادة بناء وتأهيل وعي الإعلاميين بدورهم وقدراتهم في مخاطبة الطفل
عبر استخدام وسائل الاتصال الجماهيري، وخلق الوسائل المتخصصة في التوجه
للأطفال مع مراعاة مستوياتهم العمرية والمعرفية وبيئتهم الاجتماعية
والجغرافية .
ثالثاً:
تحقيق التكامل بين الرسائل الإعلامية الموجهة للمؤسسات المجتمعية عن الطفل
ودور هذه المؤسسات في تنمية قدراته ومساعدته على النمو بوسائل وأساليب
سليمة تنطلق من قناعات عميقة بحقوق الطفل، وبين الرسائل الإعلامية الموجهة
للطفل ذاته بحيث تتكامل وسائل التربية لكي يصبح الطفل عضواً منتجاً في
المجتمع .
رابعاً: إبداء الاهتمام من قبل الإعلاميين بالبعد التشريعي
والقانوني كإطار أساسي لتحقيق تنمية مجتمعية تحترم حقوق الطفل، ويتطلب ذلك
استنفار طاقات المؤسسات المتخصصة بالأطفال ، وتحضير الحملات الإعلامية
وإقامة جماعات الضغط على صناع القرار ( المجلس التشريعي _ القضاء _
المؤسسات التعليمية والتربوية والاجتماعية ).
خامساً: تفعيل دور الإعلام
في الرقابة على تطبيق القوانين والتشريعات التي تتصل بالطفل وحقوقه، ورصد
الانتهاكات التي تقع بهدف تعميمها وفضحها وخلق ضوابط قيمية وسلوكية
وإجرائية لضمان عدم تكرارها .
سادساً: في حالتنا الفلسطينية وبسبب
خصوصية القضية الفلسطينية وشروط تطور المجتمع، والطفل كأحد أبرز مكوناته
ينبغي إبداء الرعاية والاهتمام بعرض برامج التوعية السياسية بما يتناسب مع
الأطفال، وبأشكال محببة لهم، بحيث يجري تجنب مشاهد العنف والمشاهد المخلة
بالآداب العامة وبأخلاقيات المجتمع وعاداته وتقاليده وقيمه .
الإعلام الفلسطيني ودوره في حماية حقوق الأطفال :
الحديث
عن إعلام فلسطيني يهتم بدرجة كافية ومعقولة بحقوق الأطفال يبدوا وكأنه
حديث نظري افتراضي، ذلك أننا بالكاد نعثر على خطاب إعلامي موجه للأطفال.
فباستثناء ما تقوم به بعض مؤسسات المجتمع المدني المتخصصة في رعاية الأطفال
وحقوقهم، وتنمية مهاراتهم ومواهبهم، بعضها متميز وايجابي، فان الإعلام
الفلسطيني يكاد أن يكون غائباً عن أداء هذه الوظيفة .
وعدا
عن أن الإعلاميين والصحافيين الفلسطينيين بحاجة إلى إعادة تأهيل معارفهم
وثقافتهم، فان أزمة الاقتتال والصراع والانقسام الفلسطيني التي اجتاحت
الإعلام أيضاً، باتت تأثر إلى حد كبير في الرسالة الإعلامية التي ذهبت
بعيداً في السلبية خصوصاً إزاء ما يتصل بحقوق الأطفال .
في
الواقع يعاني الطفل الفلسطيني من أزمات مركبة، فعدا عن أنه ضحية للفقر
والعمل الأسود ، وغير المناسب ، والتسرب المدرسي، والقهر العائلي، فانه
يتعرض لرسالة إعلامية سواء في المدرسة، أو في المجتمع، سلبية جداً، تظهر
آثارها الخطيرة الآن، غير أن الأخطر منها سيظهر على جلد الشعب الفلسطيني
مستقبلاً .
الإعلام وحقوق الطفل ، إرشادات واقتراحات للصحفيين :
أولاً:على
جميع الصحفيين الارتقاء إلى أعلى مستوى مهني أخلاقي للقيام بالدعاية
الممكنة في أوساط المهنة حول الاتفاقية العالمية الخاصة بحقوق الأطفال،
وتطبيقاتهم ومراعاتهم لممارسة حرية الصحافة، وكذلك بالنسبة للقوانين
الفلسطينية بهذا الخصوص .
ثانياً
: ينبغي على المؤسسات الصحفية والإعلاميين المختصين اعتبار أن طرق حقوق
الأطفال والأمور ذات العلاقة بأمنهم وخصوصيتهم وتعليمهم وصحتهم والرعاية
الاجتماعية، وكل أشكال استغلالهم على أنها مسائل جديرة بالاهتمام، تستحق
البحث والتغطية وإجراء المناقشات الجماهيرية حولها .
ثالثاً: للأطفال الحق المطلق في الخصوصية .
رابعاً: النشاط الصحفي الذي يمس حياة الأطفال وإغاثتهم يجب أن تنفذ دائماً بمراعاة الوضع الحساس للأطفال .
خامساً:
على الصحفيين والمنظمات والمؤسسات الإعلامية بذل جهد كبير للحفاظ على أعلى
مستويات السلوك الأخلاقي أثناء تغطيتهم أمور خاصة بالأطفال، وعليهم على
وجه الخصوص مراعاة ما يلي :
1) مراعاة الدقة والحساسية فيما يتعلق بالأطفال .
2) تجنب عمل برامج ونشر صور من شأنها أن تدخل عنوة في فضاء إعلام الطفل معلومات تلحق بهم الضرر .
3) تجنب تقديم العروض المقولبة عند الترويج لمادة إعلامية تتعلق بالطفل .
4) الاهتمام البالغ بالنتائج التي تترتب عن نشر أي مادة إعلامية خاصة بالأطفال وتقليل الأضرار .
5) إعطاء الأطفال الفرصة كلما أمكن ذلك من أجل الوصول لوسائل الإعلام للتعبير عن آرائهم الشخصية دون أي وسيلة إغراء أو ضغط .
6) العناية الكافية بالتدقيق في صحة المعلومات الموجهة للأطفال .
7) تجنب استخدام المشاهد الجنسية والفاضحة .
8) استخدام وسائل عادلة وواضحة في الحصول على الصور المتعلقة بالأطفال بحيث يتم ذلك بعلمهم أو المسئولين عنهم .
9) على الصحافة أن تنشر التقارير المقدمة من الحكومات والمؤسسات الخاصة المعنية بحقوق الأطفال وإخضاعها للفحص والتدقيق قبل النشر .
وفي الأساس فانه ثمة اتفاق عام على أن الإعلام الذي يتصل بالأطفال ينبغي أن يستهدف :
أ) تطوير شخصية الطفل، ذكاؤه، عقليته، وقدراته الفيزيائية على أكمل وجه .
ب) تطوير احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية والمبادئ التي يتضمنها ميثاق الأمم المتحدة .
ت)
تطوير احترام الآباء والمسئولين والمشرفين والإعلاميين للهوية الثقافية
للطفل والمقصود اللغة، القيم الوطنية، والحضارة التي قد تختلف عن حضارة
والديه .
ث) إعداد
الطفل لحياة مسئولة في مجتمع حر، بروح الفهم والتسامح والمساواة بين
الجنسين، والصداقة واحترام التعددية السياسية والعرقية، واختلاف المعتقدات
والقوميات والأصول الطبيعية للأشخاص .
ج) تنمية احترام الطفل للبيئة الطبيعية .
اعداد / أ. طلال عوكل