القدس 31-1-2011 وفا- راسم عبد الواحد
لم يكن الطفل عُديّ ابن أمين سر حركة فتح في سلوان جنوب الأقصى المبارك المُبعد عدنان غيث، الأول الذي يتعرض لحالة ترهيب واعتداء واعتقال من قبل أجهزة أمن الاحتلال دون مراعاة لأية حقوق كفلتها الشرائع والقوانين الإنسانية والحقوق المدنية.
نعم اعتقل اليوم الطفل عدي 13 عاما، على يد عناصر من قوات الاحتلال المدججة بالذخائر الحية وبقسوة غير مسبوقة، شنّت خلالها حملات دهم واسعة النطاق، وحطّمت وكسّرت العديد من بوابات المنازل بحثا عن أطفال تتهمهم بمناهضتها ورشقها بالحجارة.
ولا يمكن لأي خبير في العلوم السلوكية أو الاجتماعية أو الإنسانية إلا أن يقف مذهولاً أمام ما يتعرض له أطفال فلسطين، لا سيما أطفال سلوان، ولا يترددون حينما يجمعون على ضرورة تنفيذ برامج، تنهض بنفوس هؤلاء الأطفال بعد تحطيمها من قبل الاحتلال.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو، لو تعلق الأمر بأطفال أي شعب من الشعوب الغربية، هل يقف العالم جامدا كما يحصل الآن مع أطفال فلسطين، الذين يتعرضون لمذبحة نفسية تؤثر حتما على مستقبلهم ومعنوياتهم؟.
وحسب المعطيات التي توردها مراكز حقوقية عاملة في سلوان، فإنه لا يكاد يكون هناك بيت في أحياء بلدة سلوان إلا وتعرض فيه أطفاله لاعتقالٍ أو ضرب أو إبعاد أو إقامة جبرية وغيرها من الأساليب القمعية القهرية لنفوس الأطفال، حيث أقرانهم في العالم يلهون بألعابهم التي تنمي مواهبهم، وتوفر أفضل النواحي النفسية للعلم والتعلم وتفجير طاقات الخلْق والإبداع والابتكار لدى هذه الأجيال الناشئة.
ووفق تقرير لوحدة البحث والتوثيق في مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية، فإن الوحدة تزدحم بعشرات إفادات أطفال مقدسيين، خاصة من بلدة سلوان الذين هم ضحايا لانتهاكات الاحتلال وحقوقهم، والتي شملت الاعتقال والضرب وسوء المعاملة وحتى الإبعاد عن مساكنهم دون مراعاة لسني عمرهم، أو أخذا بالاعتبار المواثيق الدولية التي تحرم انتهاك حقوق الطفل في ممارسة حياته بصورة طبيعية، وتأمين أسباب الأمن والاستقرار النفسي لهم.
وتضمن تقرير خاص للمركز معطيات مخيفة عن حجم وطبيعة هذه الانتهاكات، التي تهدف إلى كسر إرادة هؤلاء الأطفال، وضرب مقومات استقرارهم النفسي والاجتماعي، وإيجاد جيل مهزوز ومنكسر، لا يمارس حياته الطبيعية.
وتتوافق معطيات مركز القدس مع معطيات يشير إليها مركز معلومات وادي حلوة بشأن أطفال سلوان، الذين يشكلون ما نسبته 50% من عدد السكان فيها، في حين أن ما نسبته 75% من هؤلاء يعيشون تحت خط الفقر، ما نتج عن ذلك ظاهرة عمالة الأطفال بعد ساعات الدوام المدرسي.
وتفتقر سلوان إلى مرافق عامة لخدمة هؤلاء الأطفال، فلا نادٍ رياضي أو ساحة لعب أو مراكز جماهيرية، حتى المدارس لا تكفي لاستيعاب الطلاب، ما يضطر الكثير منهم للسفر يومياً في رحلة شاقة للتعلم في مدارس أخرى خارج البلدة.
ويترك الوجود الدائم للمستوطنين المسلحين والحراسة المشددة على البؤر الاستيطانية في سلوان، أثراً سلبياً على صحة الأطفال النفسية، وخطراً على حياتهم اليومية.
ولعل حادثة إطلاق مستوطن النار على الطفل أمين الفروخ أثناء ركوبه دراجته الهوائية، وإصابته بعيار ناري في ساقه، أمام مستوطنة مدينة داود بحي وادي حلوة مطلع العام الجاري، مثال على ما يتعرض له أطفال سلوان بصورة شبه يومية.
ووفقا لما تورده مراكز حقوقية محلية ولجان الدفاع عن سلوان وأحيائها، فإن حوادث اعتداءات أخرى كثيرة حصلت وتحصل باستمرار بحق الأطفال ومستوطنيه، أو حراسهم الذين لا يتوقفون عن تقديم الشكاوى للشرطة الإسرائيلية ضد أطفال البلدة.
وتورد هذه المراكز أمثلة حية على ذلك، يتمثل أحدها باعتداء حارس مستوطنة مدينة داود على الطفل منتصر فرج، أحد ضحايا عمالة الأطفال، والذي يعمل بجمع حديد الخردة، حيث حاول حارس جمعية المستوطنين اعتقال الطفل حينما كان يجمع الخردة في مكان قريب من المستوطنة.
وأفاد شهود العيان، أن الحارس وجّه مسدسه نحو منتصر قبل أن يتدخلوا هم ويخلصونه من أمام الحارس. وبدلا من ملاحقة المعتدي لوحق الطفل الضحية، واستدعي في اليوم التالي إلى مركز الشرطة للتحقيق، ونقل بعد ذلك للإقامة الجبرية.
ومن ذلك أيضا، حادثة اعتقال الطفل أحمد داود صيام من منزله في ساعات الفجر الأولى يوم الأحد، العاشر من يناير الماضي، حيث اقتيد وهو مكبل الأيدي لمركز الشرطة دون إطلاع والده على سبب اعتقال ابنه .
أما أبرز حالات الاعتقال فكانت في الأول من نيسان 2010، حينما اقتحمت قوات الاحتلال مركز مدى الإبداعي واعتقلت الطفل يزن صيام من داخل دورة المياه في المركز، الذي أنشئ بجهود السكان ، ويمثل المتنفس الوحيد للأطفال في سلوان، وخصوصاً في وادي حلوة، وهو يشكل مكاناً آمناً لهم يقضون فيه أوقات فراغهم بعيداً عن الشارع، وما يلقونه فيه من اعتداءات المستوطنين والحراس المسلحين.
وجاء في نشرة حقوقية محلية لا ننسى أن نذكر الأطفال الذين يعيشون تحت ضغط نفسي وتوتر مستمر، منتظرين قدوم سلطات الاحتلال لهدم منازلهم، في الوقت الذي لا بد أن نعلم فيه أن أكثر من 216 منزلا صدر بحقها أوامر بالهدم بحجة بنائها بدون ترخيص بناء, والذي يعتبر الحصول عليه في سلوان أمراً مستحيلاً.
كما لا يزال شبح هدم منازل حي البستان في سلوان وعددها يناهز 90 منزلا وإزالة الحي عن الوجود، يخيّم على المنطقة بظلاله القاتمة، فيما تأثيره النفسي على أطفال هذه المنازل خطير جدا، ويعيشون هواجس مخيفة طوال الوقت، وهناك الكثير من الشواهد على ذلك مما كشفته أمهات الأطفال.
وشرعت سلطات الاحتلال مؤخرا، بتوجيه تهمة الإهمال لأسر الأطفال الذين يتم اعتقالهم بتهمة رشق الحجارة، والتهديد بتسليم الأطفال لدائرة الشؤون الاجتماعية الإسرائيلية إذا ما تكرر الاعتقال مره أخرى.
وفي هذا السياق، أفاد والدا الطفلين وديع عبد الحق 9 أعوام، وعمر أبو السعود 7 أعوام لمراكز حقوقية مقدسية، أنه تم اعتقال الطفل عمر من الشارع وهو ذاهب لمتجر قريب من مكان السكن في حي رأس العامود، هو وشقيقه رامي 16عاما، وتم وضع الطفل عمر داخل المقبرة اليهودية في رأس العامود ، بينما تم وضع شقيقه رامي في سيارة الجيب، وبعد ذلك توجهت دورية الجيش لاعتقال ابن الجيران وديع عبد الحق 9 أعوام، واقتيد الطفلان وديع وعمر إلى مركز شرطة البريد في شارع صلاح الدين، بينما أخلي سبيل الطفل رامي .
كما لا بد من ذكر، أن والدة الطفل عمران محمد منصور 12 عاما، الذي أصيب بحادث دهس متعمد من قبل مستوطن في سلوان، بعد صلاة الجمعة في الثامن من تشرين الأول 2010، كانت قد تلقت استدعاءً لمركز الشرطة في غربي المدينة، ووجهت لها تهمة الإهمال في رعاية طفلها، لتركها نجلها الصغير يلعب في الشارع.
وفي حي بطن الهوى، تقول السيدة نورة الرجبي 23 عاما، أن لها ثلاثة من الأطفال أكبرهم ابنتها ندى وعمرها خمسة أعوام، كانت قد أصيبت مؤخراً باختناقات شديدة نتيجة استنشاقها للدخان المنبعث من الغاز السام المسيل للدموع، أثناء إطلاقها من قبل جنود الاحتلال على منازل الأهالي في المنطقة.
وتضيف، أن أجهزة أمن الاحتلال كثيرا ما تقتحم منازل العائلة وتعتقل بعض أفرادها، بعد اشتباكات كبيرة واعتداءات عناصر جنود الاحتلال، وباتت هذه المشاهد تسيطر على ابنتها الصغيرة وطفلها الأصغر، وكثيرا ما تقوم طفلتها في ساعات الليل تتفقد والدها خشية اعتقاله.
إن أطفال سلوان يعتبرون نموذجا، لما يرتكبه الاحتلال البغيض من انتهاكات فاضحة لحقوق الطفل الفلسطيني، وحرمانه من أبسطها في العيش بحرية والتمتع بسني طفولته كسائر أطفال العالم، وهذا يدفع تجاه أن يكبر أطفالنا قبل أوانهم ويكونوا الطليعة في تحرير الأرض والإنسان في القدس.
ـــ