الرسوم المتحركة .. مسئولية ثقيلة تركض وراء الأهل

الرسوم المتحركة .. مسئولية ثقيلة تركض وراء الأهل والمختصين !
غزة/مشيرة توفيق- خاص- تمتد الرسوم المتحركة على مساحةٍ واسعة من حياة أطفالنا، وتشغل من أوقاتهم نصيبًا لا يستهان به ؛ ولأننا نعرف أن أطفالنا هم اللبنة الأولى لبناء مجتمعٍ كاملٍ كان مهمًا أن درس أصحاب الاختصاص دور الرسوم المتحركة في حياة صغارنا فأطلعونا على شئٍ من تأثيراتها التي راحت تنقسم بين السلب والإيجاب ؛ وهنا أمسك المختصون بالتأثيرات السلبية للرسوم المتحركة وخاضوا في مسبباتها فبات البعض منهم يلقي لومه على الأهل والبعض الآخر يلقي لومه على المنتجين لهذه الرسوم، وأيًا كان المسئول فإنه من الضروري جدًا أن ننتقل من كفة تبادل التهم إلى كفة ٍ نبحث بها عن حلٍ فاعلٍ يلائم بكل تفصيلاته حياتنا وواقعنا العربي المعاش.


سها الجرجاوي أم لثلاثة أولاد وبنت واحدة تقول سها : " تحب ابنتي سجى (16 عاما) منذ صغرها أفلام الأكشن الأمريكية ولا تميل مطلقًا لأفلام الكرتون، أما الأولاد محمود (14 عاما) و أحمد (13 عاما) وعمر (6 سنوات) فيشاهدون أفلام الكرتون دائمًا بمعدل ساعة يوميًا "، وترى سها أن هذه الأفلام تؤثر سلبًا على سلوك أولادها إذ تلاحظ ضربهم لبعضهم بنفس الطرق التي تعرض لهم في التلفاز وترديدهم بعض العبارات كما يحدث بين أبطال الأفلام الكرتونية مثل اغرب عن وجهي، اذهب إلى الجحيم وغيرها وفوق كل هذا فإنهم يعتقدون بواقعية ما يشاهدون من أفلام كرتون فيصبحون دائمي التخيل لأنفسهم كجزء من هذه الأفلام، وتعتقد سها أن الهادف من هذه الأفلام الكرتونية قليل جدا والأطفال يتعرضون لها دون وعي معتبرة نفسها مقصرة لأنها لا ترافق أطفالها في مشاهدتهم التلفاز ولا تشاركهم اختيارهم للأفلام التي يشاهدونها إذ تنشغل بأعمال المنزل والعمل كمدرسة أيضاً، وتلفت سها إلى ابن أختها يوسف (11 سنوات) فتقول : " إنه حالة استثنائية مرضية فهو مستعد لمشاهدة التلفاز منذ يصحو حتى ينام ولقد جعلته أفلام الكرتون المليئة بالعنف عصبيًا وبليد وعديم الحركة لدرجة أنه ينتظر أن تحضر أمه الطعام وإلا فإنه غير مستعد لترك التلفاز والجلوس على مائدة الطعام مع الأسرة ؛ وازداد وزنه بما لا يتلاءم مع سنه مطلقًا أما عقله فمحجور عليه غير قادر على التنازل والتصور أو التفكير في أبسط الأمور "، و تعتبر سها أن الأهل هم المسئول الأول الذي يتوجب عليه أمرين الأول وهو تحديد فترة زمنية يشاهد فيها الأولاد التلفاز ولا تزيد فترة مشاهدتهم عنها ؛ والثاني اختيار نوعية برامج تلائم سنهم وتفكيرهم وتضيف لهم سلوكيات إيجابية، وتتوقع سها أن تتحول رغبة الأطفال في مشاهدة الرسوم إلى رغبة عارمة في استخدام ألعاب الكمبيوتر ومتابعة قنوات الأناشيد كطيور الجنة التي تحتل النصيب الأكبر من أوقات مشاهدتهم التلفاز هذه الأيام.

تنمية خياله
نسرين محمد أم أخرى وابنيها ناصر ما زال صغيرًا وتوفيق عمره (5 سنوات)، يفضل توفيق مشاهدة توم وجيري دائمًا و يعشق قناة طيور الجنة ؛ تقول نسرين: " تؤثر مشاهدة توفيق للتلفاز إيجابيًا على سلوكياته فمثلاً تأثر من مشاهدة أنشودة آه يا أسناني برغبته الدائمة في شرب الحليب وتنظيف أسنانه"، وتلاحظ نسرين فرح ابنها عندما ترافقه أثناء مشاهدته التلفاز موضحة أنها تحاول اختيار أفضل أفلام الكرتون المعروضة على قنوات الأطفال والتي وضعتها مرتبة جنبًا إلى جنب في قائمة القنوات، وتحاول نسرين أيضًا البدء بشراء القصص لتوفيق من الآن وقراءتها له هادفةً من وراء ذلك إلى تنمية خياله وتفكيره، وتستغرب نسرين أن ابنها يندمج مع أفلام الكبار أيضًا وبرامجهم وإذا ما كانت ترافقه فإنه قد يحدثها حول ما يرى فتقوم بمناقشته لكنها تستاء حين تناديه أثناء مشاهدته فيكون مندمجًا ولا يجبها.

أما عندما سألناها عن المضامين الخطيرة التي تبثها بعض الرسوم أجابت : " لو لاحظت أن الرسوم المتحركة تبث مضامين غير أخلاقية وغير إسلامية فسأحاول جاهدة منع أولادي من مشاهدتها أو سأحاول شرح وجهة النظر الأخرى السليمة إذا ما اضطررت لذلك ".

طفل آخر يحب توم وجيري وطيور الجنة وهو إبراهيم شبير (7 سنوات) ويرافق أثناء مشاهدته التلفاز عمار أخوه (5سنوات)، يقول إبراهيم : " أحب أن أنشد مثل الأطفال في طيور الجنة وأحب مطاردات توم وجيري وإذا ما جاءت ماما لتتابعهم معنا أفرح كثيرًا مع أنها لا تحب أن نشاهد أفلام الأكشن ومسلسلات الكبار التي تشاهدها هي وبابا " ؛ تضحك أفنان أم إبراهيم وتوضح لنا أنها ترى في المسلسلات وأفلام الأكشن أشياء سلبية كثيرة لأن المسلسلات تعرض مشاهد لا تلائم الصغار والأكشن فيه عنف قد ينعكس على سلوكهم فيبدأوا بضرب بعضهم البعض وتقليد الحركات التي تشكل خطرًا على حياتهم ؛ أما الرسوم فلا ترى لها أي تأثير سلبي حتى وإن كانت ناقلة لمعتقدات وسلوكيات تتضارب مع عقيدة ومفاهيم مجتمع الطفل وتعلل رأيها هذا بأن الأطفال يتعاملوا مع الأشياء بصورة سطحية مجردة من أي وعي إذا ما انفقد الوعي غاب التأثير، وتنصح أفنان المختصين بالتوقف عن تعقيد الأمور والبدء في إيجاد بدائل لأطفال المجتمعات العربية ؛ أما الأهل فتعتقد أن عليهم تحديد فترة مشاهدة أبناءهم للتلفاز وزيادة توجيه أبناءهم للاهتمام بدروسهم والأنشطة الأخرى كالرياضة وقراءة القصص.

ذو داخلٍ طري
وبعد هذه الطلقات التي أطلقتها أفنان باتجاه المختصين التقينا المهندسة آمال حميد متخصصة في إنتاج أفلام الكرتون ؛ ترى آمال عكس ما تراه أفنان إذ أن الطفل عندها ذو داخلٍ طري يتأثر بما تعرضه الرسوم أكثر من تأثره بأهله ودليلها على ذلك تقليد الأطفال لسلوك العنف وترديدهم العبارات التي يقولها أبطال هذه الرسوم المتحركة . تقول آمال : " عالم الطفل من اعقد العوالم ولا يمكنني إنكار وجود حرب ثقافية على الهوية العربية " ؛ موضحةً أن الغرب أذكى بما فيه الكفاية ليطعم أطفالنا السم المدسوس في العسل خدمةً لهذه الحرب التي تستدم الإعلام متمثلاً في الرسوم المتحركة كأبرز أدواتها ووسائلها، وتقترح حميد الحل على مرحلتين أما الأولى فهي مرحلة الحل المؤقت وتكون المسئولية الكبرى فيها على الأهل إذ يتوجب عليهم تحديد فترة معينة لمشاهدة أبناءهم التلفاز ومن ثم اختيار برامج وأفلام كرتون تتقارب قدر الإمكان مع ثقافتنا بالإضافة لمراقبة الأطفال أثناء مشاهدتهم أو مرافقتهم ومناقشتهم فيم يعرض وأيضًا تنويع الأنشطة التي يمارسونها، وانتقالاً إلى المرحلة الثانية والدور الأكبر فيها على المختصين العرب في إنتاج الكرتون طلبت آمال المختصين بأن يكونوا أكثر حضورًا وأكثر إصرارًا على إبراز إبداعاتهم بما يتلاءم مع الاحتياج العربي، وقالت : " الأمر يحتاج إلى مبادرة أقوى وأنا متأكدة من نجاح مثل هذه المبادرة بدليل النجاح الساحق الذي حققته قناة طيور الجنة مؤخرًا.

لم تنكر المهندسة حميد وجود المنتج العربي في هذا المجال وأثبتت ثلاثة أمور سلبية بشأنه ؛ الأول أنه مهمش _ من ناحية الاستعداد لنشره _ داخليًا وخارجيًا، والثاني أنه فاقد لعنصر التشويق المطلوب، والثالث أن القائمين عليه لا يهتمون بالنوعية بقدر اهتمامهم بالمال.

محتوى الفيلم
مختص آخر هو الدكتور في علم الاجتماع وليد شبير ؛ اعتبر الدور الذي تلعبه الرسوم المتحركة في حياة الطفل دور لا يمكن إنكاره سواء كان التأثير إيجابي أو سلبي ويختلف ذلك باختلاف محتوى الفيلم الكرتوني وطريقة تعامل الأسرة والطفل مع هذه الرسوم، ويصف شبير محتوى الفيلم الكرتوني بالسكين إذ قد نستخدمه في أغراض مفيدة ولكن بمجرد إغفالنا إياه فإنه يتسبب في جرحنا ؛ وكذلك محتوى الكرتون إذا ما اتفق مع مفاهيمنا وعقائدنا وطبيعة مجتمعاتنا فإنه سيساهم في تعزيز هذه المفاهيم وحفظ ثقافة المجتمع وإيجاد شباب قادر على ترك بصمة مشرقة في مسيرة المجتمعات العربية، وإذا ما تضاربت معها فإنه سيخلق أطفال مشوشين وممزقين بين متطلبات ثقافتهم ومتطلبات الثقافات الأخرى.

يقول الدكتور وليد : " إن مشاهدة الرسوم المتحركة لمدة ثلاثين دقيقة تساوي في أثرها قراءة آلاف الكتب وهذا أمر خطر يدفعنا لأن نكون أكثر حرصًا على فهم الدور الذي يتوجب علينا القيام به " ؛ شارحًا ذلك بأنه إن أدركنا أن مشاهدة التلفاز لوقت طويل سيعزلهم عنا ويجعلهم أقل تفاعلاً داخل الأسرة فعلينا تقليص هذا الوقت وتحديده وشغل باقي الأوقات في أنشطة أخرى ومشاركتنا إياهم في هذه الأنشطة كأن نناقشهم في كتاب قرأوه مثلاً.

وعن الرقابة قال شبير : " في زماننا هذا تبدو الرقابة أمر مستحيل طوال الوقت خاصة في ظل عمل المرأة خارج المنزل لذلك أقترح بديلاً يقوم على تربية الأسرة لطفل ناقد يتحلى برؤية منضبطة تمكنه من الحكم على الإعلام الوافد وتقييمه "، ورفض شبير إنكار جانبًا إيجابيًا في تجربتنا مع الرسوم لأنها برأيه قد تقوي شخصية الطفل وتنمى خياله وتحسن نطقه للغة العربية أو تساعده في تعلم لغات أخرى كما في سبيس تون بالإنجليزية.

تعزز النزعة الفردية
رأت أمال حميد أن الطفل ذو داخلٍ طري يتأثر بكل شئ وتوافقها الآن في ذلك دكتورة علم النفس سناء أبو دقة فتقول : " الرسوم المتحركة جزء مهم في كيان الإعلام الذي يعتبر من أكثر المؤثرات الخارجية قدرة على تشكيل شخصية الطفل وتكوين أفكاره ومعتقداته " مضيفةً : " كل مضمون تحتويه هذه الرسوم ينعكس على نفسية أبنائنا وأفكارهم فمثلاً الرعب مضمون يعكس خوفًا والتعاون مضمون يعكس أمنًا واستقرارًا ".

وبناءً على ذلك رأت الدكتورة سناء الحل في أن نحاول جعل الرسوم المتحركة أداة فاعلة بالإضافة لكونها أداة تسلية فنختار الجيد منها ليراه أطفالنا ونلاحظهم فيشعروا أنهم متابعين لا مراقبين ونناقشهم ونستمع لآرائهم ونقضي أوقات أطول معهم لأن ذلك سيشعرهم بالطمأنينة والثقة بنا وبأنفسهم ؛ وزيادة على ذلك لا نتركهم وقتًا طويلاً أمام التلفاز وننتبه إلى أن القيم الموجودة في بعض أفلام الكرتون تعزز النزعة الفردية وتلغي باقي أفراد المجتمع من حياتهم وهذا انعكاس لفكر غربي حسب رأيها.

وبعد كل ما سبق يبرز السؤال القائل: هل كنا مؤهلين لنمنح أطفالنا محبةً تكسبهم صحة ً نفسيةً وقدرةً على قبول معرفة وثقافة نراها مناسبة وتجعلهم جاهزين مواجهة حياة صعبة قادمة ؟! .
ذكرى استشهاد ياسر عرفات

حكمــــــــة اليــــــــــــوم

عالم الأشبال
Developed by MONGID DESIGNS جميع الحقوق محفوظة لـمؤسسة الأشبال والزهرات © 2024