يبدوا أن الاحتلال الإسرائيلي أكثر قسوة على الأطفال الفلسطينيين وهذا واضحا من خلال الظروف التي يعيشها الأطفال الفلسطينيين في كل من الضفة الغربية و قطاع غزة و القدس المختليين إلى أن يكبروا و يعتادوا حالات الكر و الفر مع الجنود الإسرائيليين المدججين بالسلاح وهذا بدا واضحا للجميع من خلال العديد من الممارسات الاحتلالية التي في النهاية يتواجه فيها الاحتلال مع الأطفال الفلسطينيين الذين هم أكثر رفضا للاحتلال من غيرهم وهذا طبيعي وهم من أكثر المصدومين و المعذبين من ممارسات الاحتلال الصهيوني . فان أول لقاء بين الطفل الفلسطيني ومجتمعة الخارجي يأتي من خلال احتكاكه مع دوريات الاحتلال الصهيوني المحمولة والراجلة في الحارات و الشوارع الفلسطينية بالقرى والمدن و المخيمات , ومن خلال الرصاص المطاطي والحي و الدمدم و الغاز الخانق و قنابل الصوت ,وما يكاد يشتد عود هذا الطفل إلا و يصطدم بممارسات الاحتلال القاسية و يشاهد بأم عينه ما يمارسه الجيش الاحتلالى و المستوطنين و الذين يعربدون في كل مكان تحت حراسة هذا الجيش , و كان الدنيا كلها لهذا الجيش الاحتلالي الذي لن يترك مكانا أمنا أو مساحة للممارسة هؤلاء الأطفال حياتهم الطفولية .
اليوم تذكرت ماذا كنت افعل عندما كان الجيش الاحتلالي يداهم بيتنا , و يعيش فسادا في كل ركن بالمنزل و أتذكر تلكم الصغار الذين يبكون بصمت عندما كان الجنود يقيدوني ويأخذوني بعيدا عن البيت عندما كبرت و تزوجت وانجبت , فهذا حال كل طفل فلسطيني الآن ,وكما كنا أطفال وشاهدنا ماذا فعل الاحتلال بأبائنا وكيف أخذهم معتقلين دون أن نعرف ساعتها متى يعودون إن كان للعودة بدٌ , وكما شاهدنا شاهد أطفالنا و سجلوا في ذاكرتهم تلك الممارسات الشنيعة ,اعتقد أن أطفال أبنائنا سيشاهدوا نفس السيناريوهات التي يمارسها المحتل في المستقبل , و الأمهات في هذا الاستعراض لدراما العيش تحت الاحتلال كانت تقول بنظراتهم إنا هنا قاعدون منتظرون لن نبرح هذا البيت إلى أن يعود المعتقلين , وبالتأكيد كانت نفس العبارات بل يمكن بنوع من التفاصيل تقولها زوجاتنا وأمهاتنا عندما كان الاحتلال يقيدنا و يأخذنا إلى مكان مجهول , وبالرغم من تطور الحياة والمناداة بالحرية للشعوب المضطهدة والاستقلال وحق تقرير المصير للشعوب المحتلة ,إلا أن إسرائيل مازالت تمارس الاحتلال بكل تعقيداته الحديثة فأصبح الأطفال الفلسطينيون يعرفوا الصواريخ و القذائف الصهيونية و ضربات طائرات ف 16 أمريكية الصنع و قنابل الفسفور الأبيض والقنابل الارتجاجية ,وأصبح الأطفال في فلسطين أول ما يفتحوا أعينهم عليه هو فعل المحتل كالجدار الفاصل وماذا قضم من ارض وبيوت ومساكن ,وماذا فعل ببيارات الأهل والأحباب , وأصبحوا يفتحوا أعينهم على هؤلاء المستوطنين المسلحين الذين يأتوا وكأنهم قطعان من الذئاب الماكرة تطلق النار في كل صوب فيهرب الناس ويحرقوا الأخر واليابس , يحرقوا أشجار الزيتون واللوز وأشجار التوت والكرز وكل تراث الفلسطينيين الأخضر .
قصة الطفل احمد جوابرة من مخيم العروب والبالغ من العمر 13 عاما بتفاصيلها تشرح للعالم من هو الاحتلال الصهيوني و كيف يستهدف الأطفال قبل الكبار و كيف حاصر الاحتلال كينونته البسيطة من خلال حكم بالإقامة الجبرية في منزله لمدة عام كامل بعد أن امضي 18 يوما فقط في المعتقل الصهيوني ,و كيف سيعتقل بالبيت دون الخروج مع زملائه للمدرسة , الجريمة التي ارتكبها هذا الطفل انه فتح عيونه فوجد الاحتلال أمامه يقتل ويدمر ويصادر ويحاصر و يعتقل دون خشية من احد ,ثارت طفولته كباقي الأطفال فحمل الحجر وقارع الاحتلال في شوارع المخيم , احمد من بين عشرات القاصرين الأطفال الذين اعتقلهم الجيش الصهيوني ليلا بعد مداهمة بيته وطرحه أرضا وتقيد يديه وسحبه على وجهه في الجيب العسكري الصهيوني , وقبل وصوله إلى معتقل " عتصميون " لاقي احمد اقسي أنواع العذاب البدني واللفظي والنفسي وعبر التهديد والوعيد اعترف احمد بإلقاء الحجارة على سيارات الجيش الصهيوني , احمد ضُرب بأعقاب البنادق في المعتقل و ضرب بأعقاب الأحذية من قبل مجموعة من الجنود الذي لا يضبطهم أي ضابط لا أنساني ولا أخلاقي ولا ديني, وصلب تحت الشمس ساعات طويلة عُلقَ في البرد القارص ليلا يستمع لصرخات تعذيب المعتقلين بالمعتقل , فقد كان المحققين يتعمدوا حجزه بالقرب من غرف التحقيق , و يقوموا في نفس الوقت ببث أشرطة مسجلة وممنتجة على درجة عالية من الدقة لفلسطينيين أثناء التعذيب فقط ليساعدهم هذا في عملية الانهيار النفسي التي يعقبها الاعتراف فورا للأطفال المعتقلين .
إن كانت قصة احمد الجوابرة قد سجلتها كاميرات التلفزيون و نقلها العالم فلأسف فان التلفزيون الذي صور احمد هو التلفزيون الإسرائيلي وهو الذي عرض ما يعانيه الأطفال عند الاعتقال وكأن الإعلام و التفزة العربية والعالمية قد بلعت لسانها ولم تعرف كيف تغطي القصص الكبيرة أو حتى تبحث عنها ,ولم تعد تتحدث عن معاناة الأطفال في فلسطين من الاحتلال و تبقي هناك مئات القصص الكبيرة لأطفال عذبهم واعتقلهم و حكم عليهم الاحتلال بأحكام غير إنسانية دون تغطية , لعل الأطفال الفلسطينيين هم أول الضحايا لهذا الاحتلال المجنون الذي يمارس ما يمارسه من قمع وقتل واعتقال تحت نظر وعلم حماة القانون الدولي ودعاة الديمقراطية وحماية الإنسان وحقوقه , فقد كشفت إحصائيات نشرتها منظمة "اليونيسيف" الدولية لحماية الأطفال بالعالم أن عدد الأطفال والفتية الفلسطينيين الذين اعتقلوا في السجون الإسرائيلية بلغ نحو 7 آلاف شخص خلال السنوات العشر الأخيرة، وأن هؤلاء الأطفال يتعرضون لعمليات تنكيل وتعذيب بما يتنافى وميثاق حقوق الإنسان وميثاق حقوق الطفل الدوليين, و أكدت منظمة "بيتسيلم" الإسرائيلية" التي تعمل في نفس المجال أن ما يقارب 219 طفل مازالوا تحت الاعتقال و تحت ممارسات اعتقالية قاسية من بينهم 95 محكوما و116 معتقلا حتى موعد المحاكمة و8 معتقلين رهن التحقيق, و نشير هنا إلى أن هذا الرقم يتغير يوميا و يتزايد عاما بعد أخر لان الاحتلال ماض في اعتقال الأطفال .