فتح اليوم - أسيل الأخرس - محمد مسالمة (16 عاما) ينادي بصوت عالٍ في شوارع وأزقة مدينة رام الله، لشراء وتجميع المعادن من المنازل والشوارع، هي مسؤولية وقعت على كاهله مبكرا، بسبب مرض والده واعتقال أخيه الأكبر.
يقول مسالمة من بيت عوا في محافظة الخليل، ويعيش في رام الله: 'لم أكن مخيرا في تغيير مسار حياتي، فبعد مرض والدي بالفشل الكلوي، واعتقال أخي الأكبر الذي كان يعيل أسرتنا، لم يكن لدي خيار سوى ترك المدرسة والعمل في هذا المجال'.
'أحلام شو؟؟ كل حياتي تلخبطت وما بحصله من شغلي مش دخل منيح، ولكن شو بيدي؟؟'، رد مسالمة على سؤال لمراسلة 'وفا' حول أحلامه في الحياة،
قصة مسالمة يشاركه فيها ما يزيد عن 33900 طفل في الضفة الغربية وقطاع غزة، بحسب تقرير مركز الإحصاء الحكومي الربع الثالث لعام 2013.
مدير دائرة عمل الأحداث في وزارة العمل مأمون عودة أفاد 'بأن عمالة الأطفال ما دون 15 عاما ممنوعة تماما، وفي حال تواجد أي من الأطفال في الورش يتم إرسالهم لمنازلهم، وتتخذ الوزارة بحق المشغلين سلسلة من الإجراءات، ويحول للقضاء من يستمر بتشغيلهم'.
وأضاف، 'أما عن الأحداث الذين تزيد أعمارهم عن 15 عاما فالوزارة تراقب ظروف عملهم وتوعيتهم لحقوقهم، التي أقرها قانونا العمل والطفل الفلسطيني، لضمان عدم استغلالهم'.
وعن الانتهاكات التي يتعرض لها الأطفال خلال العمل، قال عودة: 'إن الأطفال والأحداث يتعرضون في ورش العمل إلى الكثير من الانتهاكات التي منعها قانونا العمل والطفل الفلسطيني، حيث يجبرهم بعض أرباب العمل على العمل دون تلقي أجورهم، أو مبالغ عن الساعات الإضافية، عدا عن تعرضهم للضرب والاعتداء اللفظي أثناء العمل، ولا يمنحون إجازتهم السنوية وحقوقهم التي نص عليها القانون، ويجبرون على قول ما يريده رب العمل خلال التفتيش للحفاظ على لقمة عيشه'.
وأشار إلى أن الإدارة العامة للتفتيش تبحث سبل التدخل الأمني لمنع 'سماسرة' الأطفال الذين يتم استغلالهم كعمالة رخيصة، يتقاضى مقابلها السمسار نسبة من أجر الطفل، وينقلهم للعمل في ظروف غير مناسبة، وورش عمل لا تراعي قدراتهم الجسدية، ولا يتوفر فيها عوامل السلامة والأمان داخل أراضي عام 1948.
وأردف عودة 'الإدارة العامة للتفتيش عملت من خلال شراكتها مع وزارة الشؤون الاجتماعية في 'شبكة حماية الطفولة' على تطوير آليات خاصة بشأن مشروع مشترك يهدف لإعادة 1000 طفل عامل خلال الثلاث سنوات المقبلة إلى المدارس أو تدريبهم في مراكز التدريب لدى مراكز الشؤون الاجتماعية، لتجهيزهم للانخراط في سوق العمل'.
إحصائيات وزارة التربية والتعليم العالي تفيد هي الأخرى بأن 5.7% من الأطفال يضطرون لترك المدرسة والعمل في عدد مختلف من المجالات، ما يسلط الضوء على دورها في الحد من ظاهرة عمالة الأطفال والتسرب المدرسي.
وبهذا الصدد، يقول مدير عام الإشراف والتأهيل التربوي في الوزارة ثروت زيد 'إن الوزارة والمؤسسات الشريكة لها سعت إلى الحد من ظاهرة التسرب المدرسي وعمالة الأطفال، من خلال برنامج 'محاربة ظاهرة عمالة الأطفال' الذي انطلق في شهر آب الماضي، من خلال تدريب المعلمين في 7 مدارس موزعة في محافظتي جنين والخليل، وتدريب ما يزيد عن 1000 طالب للإسهام في عودة الأطفال المتسربين إلى مقاعد الدراسة'.
وأضاف زيد 'ما يميز البرنامج هو الدور الذي يلعبه الطلاب في محاولة إعادة نظرائهم من جهة، وفي منع حالات تسرب جديدة من الطلاب من جهة أخرى، واستهداف البرنامج لأسر المتسربين بالتوعية الثقافية، وإطلاع المتسربين وذويهم على خطورة عمالة الأطفال، وتأثيرها السلبي على حياتهم، في محاولة لتقليص نسبة عمالة الأطفال'.
وأكد 'أن البرنامج نجح خلال تطبيقه في إعادة 1% من الطلبة إلى مقاعد المدرسة، والتقارير التي أعدتها الوزارة والجهات المعنية أثبتت أن الفقر والعوز ووجود المستوطنات التي تسمح بتشغيل الأطفال دون توفير أي وسائل أمان، ولا تراعي أعمارهم'.
وأشار إلى 'أن غالبية الأطفال يتوجهون للعمل في المستوطنات التي يتعرضون فيها للاستغلال، ويقومون بأعمال شاقة لا تناسب أعمارهم وقدراتهم الجسمانية، كما أنهم يتلقون أجورا تتراوح من 50-100 شيقل يوميا، وهذا لا يتناسب مع ساعات العمل وحجم الجهد الذي يبذلونه'، موضحا أن حاجة الأطفال للمال هو السبب الرئيسي لارتفاع أعدادهم، خاصة في محافظتي جنين والخليل.
من جانبها، أوضحت مديرة البرامج في مركز إبداع المعلم علا عيسى، أن برنامج 'محاربة ظاهرة عمالة الأطفال' الممول من الاتحاد الأوروبي من خلال مؤسسة إنقاذ الطفل، ساهم في تنمية الوعي الأهلي والاجتماعي، وتميز في أن تنفيذه جاء من خلال الأطفال.
ونوهت إلى أن 'من أهم المعيقات التي تحد من نجاح المشروع، هي مقاومة الأهالي لعودة أبنائهم للمدارس، باعتبار أولادهم مصدر دخل، وتركهم للعمل سيؤثر اقتصاديا على دخل الأسرة'.
وأضافت عيسى، 'حاول البرنامج علاج أسباب التوجه للعمل وترك الدراسة، وقد تضمن تحويل بعض الأسر المعوزة لوزارة الشؤون الاجتماعية لتقديم الدعم المادي لهم، وتحويل الأطفال المتضررين من العمل لوحدات ومراكز الدعم النفسي'، مشددة على ضرورة إنهاء عمالة الأطفال، خاصة في المستوطنات الواقعة في منطقة الأغوار التي تخلو من شروط السلامة المهنية، ولا تلبي الحاجات الإنسانية للأطفال.
وبهذا الخصوص، أوضحت 'أن أرباب العمل يتركون الأطفال طيلة ساعات النهار فوق النخيل، ولا يكترثون لاحتياجاتهم الإنسانية وتعرضهم لأشعة الشمس، ما يتعارض مع مادة القانون 65 من قانون الطفل الفلسطيني رقم (7) لسنة 2004'.
ويبقى مسالمة ونحو 33900 طفل يحتفظون بأحلامهم.