الكاتب: عصري فياض يحكى أن.. طفلة ولدت مع اصفرار سنابل القمح عند اكتمال الألفية الثانية في محطة من محطات الانتظار على ضفاف مرج بن عامر ،وتفتحت حبا في حضن أسرتها الصغيرة، ونمت روحها عشقا بين راحتي والديها، دلالها دلال الأميرات...، وسحرها على عائلتها سحر الملكات، تطلب ... فَتُجَابْ، تأمر ببرأتها.... فتُطاع، حتى أحكمت بلطفها وخفة روحها على قلب أبيها الذي كان ملبيا لحاجاتها، فأصبح الإيماء الدال على عبارة " أمرك موالي"،من حواسه السته،... وترحاله اليومي للحوانيت البعيدة قبل القريبة محجا يفرغ فيه بعضا من طاقة الحب،وسفره بيها إلى المسافات حوله أمرا معتادا،..إذا جاعت صنع بنفسه لها الطعام، وإذا عطشت حمل لها الماء ليستمتع بفرح عروقها التي كانت ترقص للارتواء، وإذا شد انتباهها جمال القماش في الأسواق ،أسرع وأشترى لها أجمل وأميز ما يستر هذا الجسد الرقيق الصغير، وإذا شاهد حاجة يحجبها الصمت في عينيها، ترجم بإحساسه الثاقب، وأسرع لكسره ملبيا، فكان الكاشف للميول والموهبة،...واضعا كل زلال ينميها بين يديها.. وذات يوم، زحف الداء الى جسد ابيها، وتوغل فيه بعمق، وتمكن من جزء من احشائه فأتلفها،وبعد ان اعياه الداء، واتعبه الدواء، كان لابد من الخلاص بالاستبدال، فكان،لكنه بالرغم من إنقاذ الحياة، إلا انه جاء بتوابع ألزمت الاب الاتكاء على عكازتين،فإنهار امام ناظريها ذلك الجبل الشامخ الذي كان لا يرتد فيه صدى صوتها، فأصبح قعيدا يخفي عجزه خلف حصن كبريائه، لكنها اصبحت لا تستطيع التدقيق في وجهه قبلة الروح إلا عبر العبرات البرئية، والدموع السخية التي كانت تهزم احيانا حرصها على اخفائها، فكبت القلب وجعا لا يحتمل، وتشقق القلب الرطب الدافيء الوديع بجفاف الالم ودخان السقم،.... جمعت قواها الطرية، واصبحت تبحث له عن كل شيء ممكن أن يحرك ثغره البسام بالامل، أخذت تقرأ.. وترسم.. وتلهوا وتلعب امامه.. وتقدم له كل ذلك لعله يكون له شفاء، لكن القدر الثقيل كان يسوقها الى احمال لا تقوى عليه نياط قلبها الرقيق، فإنفجر الداء ممزقا شريان الحياه، مؤذنا بقرب إنتحاره على قارعة الطريق ، فهب الجمع لانقاذ قلبها، وصدحت الاصوات في المدينة تنادي السلطان.. فلبى، وارسل وكيله على عجل، فعاين الجسد النحيل الحاضن للقلب السائر ببطء نحو الموت ، وتعهد بالعمل الحثيث قصدا للشفاء.. وبدأت رحلة الاستعداد للرحلة... في قصر السلطان، الحمام الزاجل على كل شرفة، وفي كل غرفة، ينقل الرسائل، ويوصل الحبائل، ويقطع المسافات الى الفيافي والقفار، الى بلاد العرب والعجم، ما قبل الصحاري وما بعد البحار،.. هذا الحمام تهيأ لنقل حب تالا للحياه، تحفز، شحذ جناحيه ليطير من اجلها من اجل براءتها، من اجل استحقاقها للحياة،كان يطير من شرفة إلى شرفة، ويتابع تنقل المكلفين من غرفة إلى غرفة، يبحثون في الوسيلة ويفاوضون في ألطريقه، أي البلاد أفضل، وأي العلاج انجع،وأيها اقل كلفة وأكثر شفاءً،كان يبحث والقلب الشمعة يذوب، كان يسعى وذبالة نور الحياة تتراجع ظلمة يوما بعد يوم، أصبح حائرا مرتبكا، لا يجد مقصدا للحمام، ولا يعرف مخرجا، حتى هلكت على بوابة القصر الأيام، فوصل قلب تالا العاشق للحياة محطته الأخيرة، قبل ان ينطلق الحمام... عاد والدها من المدفن بعد أن أمطر القبر الصغير بالدموع، وقال لزوجته ها انا عدت دون ان تكون معي، الان سنعيش على الذكرى الأليمة، ذكرى تالا التي كانت تحب الحياه...لكن هل ستكون تالا آخر الأطفال الذين لا يطير من اجلهم الحمام الزاجل؟؟!!