في زمن القحط يولد الأطفال
بكثرة،ولكن أكثرهم مشوهين..زمن تجلس فيه النسوة يندبن حظوظ الأطفال،ويلعن
هذا الزمن المجرم وحكام هذا الزمن المجرم،وشقاء الزمن المجرم.... زمن يجلس
فيه شيوخ خيام الغربة ،يحكون عن زمن الباشا والسلطان وزمن الربابة والناي
والسيف والطبنجة ويحكون عن خواجات وحكام هذا الزمان وعن القحط والأطفال
المشوهين..ويحكون عن دوالي العنب وشجر الزيتون والخوخ والرمان ورأس الفجل
النظيف..ويستذكرون النساء والقرى المسلوبة في وطن مسلوب..ويحكون ويحكون..!!
وانتم
يا أطفال، يا من ولدتكم أمهاتكم في زمن القحط وزمن القتل وزمن خيام
التشريد،وإطلاق رصاص القنص( بردكم قاتل وحركم خانق) ما أسعدكم.. من منكم لم
تتفتح عيناه على قنابل طائرات الأعداء وطائرات الأصدقاء..من منكم لم يسمع
أصوات قذائفهم..من منكم لم يشاهد جثث القتلى ملقية في عرض الإسفلت أو بين
خيام الغربة ..؟من منكم لم يرضع حليب أمه المقتولة بالرصاص..؟ من منكم لم
يتذوق طعم الدم،مجبولا بتراب الأرض..؟؟
سابقة في زمن القحط..أن يولد
أطفال بين النار والنار..!! فهل سيكبر كل هذا معكم يا أطفال؟؟ حسنا
لنكمل.. لكل الأبناء أباء وأمهات ..ومساكن وملابس عيد وعلب حلوى والعاب
مختلفة..ولكل الأطفال بسمات وقسمات وعناوين، وقروش وصور ملونة ...إلا انتم
يا أطفال فلسطين...
هذا الصمت القاتل يا أطفال ..وهذا الحزن المطل من
عيونكم..وكل معاناة القهر والتشريد والذبح في غربتكم..تجعلنا أقزاما في وجه
الأعداء..تخجلنا ..تصلبنا..تقتلنا..تحرق فينا كل الأشياء..!! اقسم أن هذا
الصمت كوحش ينهش لحمنا ويتركنا مسوخا للسوائب والغربان..فمن أين لنا بغطاء
للوجه ولكل الأعضاء..؟؟
من يتجرأ ويُنزل جثة هذا الطفل الفلسطيني أو
العربي –لا يُهم- المصلوب على أعمدة الهاتف في وطن الحكام..؟؟من يصرخ في
وجه طغاة العصر..؟؟ من يحرق أبار البترول العربية في قلب الصحراء..؟ من
يطلق رصاصته على من حملوا هذا الوطن ،ليقدموه عربونا لنساء الحانات الليلية
في باريس ولندن وبلاد العم سام..من..من..؟؟؟
هذا هو زمن القحط وزمن
الصمت وزمن الحكام القتلة..بائعي بسمة أطفال فلسطين في يوم العيد ..وبهجة
امرأة بلقاء البعل الأتي من كدح الأيام السوداء ..!! لقد باعوا الأرض
وباعوا الإنسان وباعوا النفط وباعوا كل الأشياء..
تعلموا يا أطفال
فلسطين، قصة ألزيناتي خليفة والزير سالم وذياب على الحمرا اعتلى..تذكروا
أمجاد العرب الرحل وضرب السيف وقطع رقاب الأعداء ..تذكروا الكرم العربي
أيام زمان الدعوة..فهذا يكفيكم وطنا وخبزا وحرية وحياة..ما شاء الله..وهكذا
تريد الإرادة السلطانية والملكية والجمهورية أن تتعلموا ولا شيء غير
هذا..وإلا فأعمدة الهاتف أطول من عمر التاريخ العربي أمام قصور
الحكام..والدين يحث على الإيمان..!!!
يا أطفال فلسطين..ويا كل
الأطفال،في زمن القحط وفي زمن الحقد تصبح قيمة الواحد منكم عند الحكام،اقل
من " قرش شدمي "،فهل تعرفون قصة هذا القرش..؟؟سأقول لكم شيئا عنه
فاستمعوا..
مرة- من مرات كثيرة-..حاول السادة والخواجات ،حرق الأرض
وقتل الناس..فوقف رجال ونساء وأطفال من صمدوا في الأرض يصرخون بملء حناجرهم
في الوجوه الشريرة القاتلة..ودون سابق إنذار أطلق جنود الخواجات رصاص
القنص على صدور الأطفال والرجال والنساء..فسقط العشرات والعشرات، يتدرجون
بدمائهم الطاهرة الطيبة..وحين انتفضت جثث الشهداء وأنات الجرحى في وجوه
الجلادين...تحتج وتدين القتل ورجال القاتل ..قرر الخواجات ،تقديم أنفسهم
لمحاكمة" عادلة " حيث لم يطول إصدار الحكم ..فأصدروا حكما يمجد القاتل
ويدين المقتول..وعندما بقيت جثث الشهداء تصرخ وتنتفض ، اصدر الخواجات قرارا
لوجه الله والأنبياء والصالحين...ولوجه رصاصات القتل..تغريم أنفسهم قرشا
تدفعه خزينتهم عن قائد وحدة القتل وإعطاء الأمر.." شدمي"(- قائد عسكري
صهيوني)-..يدخل في صندوق الدفاع عن القاتل ،وثمنا لأتعاب الحكام..ولهذا سمي
ثمن الأطفال " قرش شدمي "..-
فهل عرفتم يا أطفال ألان ،ماذا يعني أن يصبح ثمن الواحد منكم اقل من " قرش شدمي"..؟؟
نعم
هذا هو ثمن الإنسان في زمن القحط وفي زمن الحقد..ولكن انتظروا يا أطفال
..إن لكم ثمنا أخر ارخص عند الحكام..يُدفع في أروقة قصور السلطان،وحماة
الوطن العربي..المُهدى لدليدا وبرجيدا وبرجيت..والى ملكة مربط خيول العرب..
رحم الله أيام زمان ،يوم كان أجدادكم يا أطفال،يأكلون القمح والشعير من
روث خيول السلطان..ويوم كانوا يتحدون السيد والسير والمندوب السامي (مندوب
خبر دولتك ،لندن مربط خيولنا..)..انه ثمن ابخس من " قرش شدمي"..مجرد جرعة
خمر تُسكب في قعر جمجمة طفل من أطفال خيام التشرد...يوم أن دبت النخوة في
أوصال رجال القبائل ليمتشقوا سيوفهم وخناجرهم وكل أسلحتهم ويشنوا هجومهم
على أطفال خيام الغربة ..حيث صالوا وجالوا وعادوا منتصرين يلوحون بسيوف
الدم..وعلى أسنتها رؤوس الأطفال العزل...
ولكن من أين لبلاد الغربة أن تحمي أطفال فلسطين..من الذبح والقتل والتشريد..ومن حكم الموت..؟؟فالقصة لم تنتهي بعد..فاستمعوا..
حين
بدأت جثثكم تتحرك بعد الذبح والتشريد والسُكر في جماجمكم ،وحين بدأتم
تتوجعون من برد الشتاء وحر الصيف وضيق الخيمة..وحين بدأت أرجلكم تتجه نحو
الوطن الأم..وحين بدأتم تسالون عن الأب المتمترس في خندقه على خط النار مع
الأعداء..وحين سألتم عن ملابس العيد وعلب الحلوى ،وحين وصلت أسئلتكم إلى
مسامع بعض الحكام..شمر عن ساعديه وجرد قوته وهجم هجمته الليلية على
مخيماتكم العتيقة،مستخدما بالطائرات والدبابات وكل القوات البرية والبحرية
والجوية..فحرق الخيمة في تل الزعتر وجسر الباشا والنبطية وكل الأمكنة، وقتل
الكثيرين منكم أيضا..ولكنه لم يضع الخمرة فيها ..وإنما حنطها وأبقاها
لذكرى الانتصار الكبير على الأطفال الأعداء.وامام خزائن ملابسه الشتوية
والصيفية وربطات عنقه الأجنبية وامام خزائن أحذيته الباريسية والاسبانية
والايطالية...!!
وكبر الأطفال الباقون من القصف ،في لحظات الصمت العربي
وفي غفلة من كل الحكام يعلنون التحدي لكل حكام العصر الآلي ..يصرخون
ويهتفون أن يحيا الوطن والموت للحكام والخواجات..
ولكن القصة لم تنتهي ..فما زال لها بقية...؟؟؟
سأحدثكم عنها فيما بعد....