هبة لاما/خاص/PNN- يحدث أن يمتلك طفل في الثانية عشرة من العمر المسرح بأكمله، فيعزف ويغني ويبدع دون أن يهاب تلك الأعداد الكبيرة من الجماهير الذين أتَوْا ليسمعوه ويتمتعوا في ساعة كاملة من الموسيقى الكلاسيكية والأغاني العذبة التي يجيدها عن ظهر قلب دون أن ينظر إلى دفتر نوتات أو ورقة كلمات، أو يتلفت هنا وهناك قلقاً أو خوفاً، بل كان يحرك أصابعه الصغيرة على آلة البيانو بكل ثقة وأريحية كأنها لاعبات باليه تتراقص على أنغامٍ تتطاير في أرجاء المسرح وتملأه بروح الطفولة وحيوية الإبداع وجمال الموسيقى.
يصفق الجمهور لما أدّاه الصغير وينتهي العرض، إلا أن الألحان تبقى عالقة في أذهان المستمعين ومخيلتهم، فلا تتوقف قطعة الفالس الرومانسية من تكرار نفسها في أذني البعض بينما يردد البعض الآخر أغنية “Good bye my lover” للمغني جيمز بلانت والتي أداها ابن الثانية عشرة بكل إحساس ومهنية عزفاً وغناءً بعد أن جلس لمدة ساعات أمام آلته الموسيقية محاولاً إيجاد ألحانها وحفظ كلماتها كغيرها من الأغاني التي يسمعها ويحبها فيهرع إلى البيانو لمحاولة عزفها.
"أحسست أنني أملك المسرح وأني خلقت لأكون هناك -يقول العازف الصغير زين خير بلغة متعثرة بتعثر سنواته الإثني عشر- كنت خائفاً في البداية إلا أنني نسيت كل شيء بعد أن وضعت يدي على مفاتيح البيانو، لم أشعر سوى بالموسيقى وبيدي خفيفتين تنطلقان بسلاسة، ولم أنتبه على نفسي حتى وجدت أنني قد أنهيت العرض، فسمعت تصفيق الجماهير عالياً وفرحت كثيراً، كانت هذه أول مرة أقدم فيها عرضاً كاملاً بمفردي إلا أنني بعد هذا العرض قررت أنها لن تكون الأخيرة".
أربع سنوات من التمتع بصوت البيانو لم تكفه بعد، فلا يزال زين -من مدينة بيت ساحور- في بداية مشواره الموسيقي؛ فمنذ أن كان في الثامنة من عمره بدأ بالتعلم الجدي للعزف على البيانو بالتحاقه بمعهد إدوارد سعيد الوطني للموسيقى من أجل تنمية موهبته التي لطالما لاحظها أهله وأقرباؤه كما تؤكد الوالدة: "كان يحفظ جميع الأغاني ويحاول عزفها على الأورغ المتواجد في البيت وكنا نتفاجأ أحياناً بقدرته على ذلك وهو لا يزال صغيراً، فقررنا أن ننمي له هذه الموهبة ونسجله في معهد للموسيقى حتى يتحول عزفه إلى المهنية المطلوبة".
تقول الوالدة هذا وتتلألأ عيناها فخراً؛ فابنها الذي لا يزال في بدايات سنواته الأولى أصبح معروفاً ويجيد العزف بمهارة على البيانو الذي يعتبره جزءاً مهماً من حياته فلا يمضي يوم إلا ويجلس فيه على آلته المفضلة ويستمتع بحركة أنامله الصغيرة على مفاتيحها والصوت العذب المنبعث جراء ذلك، فيستمر ويستمر حتى التعب: "أحب أن أقضي ساعات وأنا أتدرب -يقول زين- هذه هي متعتي ولا أشعر أنني أفعل ذلك لأنه واجب علي تأديته، فمن دون الموسيقى لا معنى للحياة".
لكنه بالرغم من ذلك لا يهمل واجباته المدرسية أو حياته الاجتماعية -نقول الوالدة- فلكل شيء ميعاده ولا شيء يأتي على حساب شيء آخر، فالمدرسة هي مستقبله والموسيقى هي متعته، لهذا فإن والديه يشجعانه دوماً ويحثانه على الاستمرار فيما يحبه ويساعدانه على تنظيم وقته كيلا يقصر في شيء.
أما زين ففي مخيلته مشاريع وعروض كثيرة يقدمها في المستقبل للجمهور الذي أحبه وعشق موهبته، مستمراً في عزف البيانو آلته المفضلة.