النكبة في أذهان الأطفال: خلل طارئ أم قصور مزمن وحا

قلا عن موقع صحيفة الايام /

كتب حسن جبر:
أحمد (12 عاماً) أصوله من مدينة بئر السبع، يرى أن النكبة هي "يوم صدور قرار بتقسيم البلد من قبل الاحتلال، حين احتل اليهود أرضنا وحولوا التراث الفلسطيني إليهم ودمروه، وزعموا أن المسجد الأقصى لهم وأن الهيكل المزعوم يجب أن يبنى مكانه".. ويضيف: "مدينة غزة فيها أكبر عدد من اللاجئين، أبي والأهل يروون لنا القصص عما حدث أثناء النكبة، لا أعرف وعد بلفور، أعرف أن اليهود احتلوا القدس وجعلوها عاصمة لهم، اما بئر السبع فتشتهر بزراعة القطن والحبوب".
كرم (13 عاماً) من قرية بربرة المدمرة تقول "اليهود احتلوا الأرض وطردونا منها إلى غزة والدول المجاورة، وكان هناك شهداء قبل النكبة، وبريطانيا أعطت فلسطين لليهود، عرفت من أبي والمدرسة والأخبار أن الفلسطينيين تشردوا في كافة أنحاء العالم، لا توجد معلومات كافية في منهاج المدرسة".
لميس (14 عاماً) من بئر السبع: "حصلت النكبة في 15/5/1948، وخلالها هجّرت العصابات الصهيونية الفلسطينيين من أرضهم قسراً، منهم من ذهبوا إلى غزة ومنهم من ذهبوا إلى بلاد الشتات، ومنهم من ظلوا في البلاد وأصبحوا يسمون عرب 1948، عرفت هذه المعلومات عن النكبة من العائلة ومادة التربية الوطنية".
محمد (12 عاماً) من مدينة غزة: أهلي من غزة أصلاً، لي أصدقاء لاجئون يقولون إن لهم أراضي أخذها اليهود، لا أعرف عن قضية اللاجئين أشياء كثيرة، وأبي لا يحدثنا عنهم، لكني أكره اليهود لأنهم يقتلوننا ويحتلون أرضنا".
وداد (14 عاماً) من بيت جرجا المهجرة في العام 1948 تقول: "تم تشريد المواطنين وإخراجهم من ديارهم وتمت السيطرة على فلسطين لأنها كانت ضعيفة واختارها اليهود لأنها بلد الديانات والتراث، أبي يتحدث لنا عن النكبة، والمنهاج لا يعطينا أشياء كثيرة عنها".
سعيد (13 عاماً) في الأصل من غزة: "النكبة حدثت عام 1948، وبعدها نشأت دولة إسرائيل وتم تشريد الشعب الفلسطيني وولادة قضية اللاجئين التي تعتبر المشكلة الدائمة في حياة الشعب الفلسطيني، جدي تحدث لنا عن اللاجئين الذين جاؤوا إلى غزة وسكن عدد منهم بجوار منزل جدي ثم رحلوا إلى مخيم الشاطئ، المناهج لا تتحدث كثيراً عن نكبة فلسطين، وسمعت من أصدقائي أشياء كثيرة عن اللاجئين".
كانت هذه عينات من أجوبة لأطفال فلسطينيين تتراوح أعمارهم بين الثانية عشرة والرابعة عشرة، تم سؤالهم بشكل عشوائي في الشارع لدى مرورهم بالقرب من إحدى مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين بمدينة غزة، أسئلة عن النكبة وكيف عرفوا بها والمعلومات عن قراهم ومدنهم المدمرة عام 1948.

معلومات صحيحة
وأخرى مشوشة
الأجوبة تحمل معلومات صحيحة وأخرى مغلوطة ومشوشة في بعض القضايا، لكنها تؤشر كما قال كثير من الباحثين والمختصين بقضية اللاجئين الفلسطينيين إلى قصور كبير في نقل رواية النكبة من جيل إلى جيل حتى تتحقق أحلام العودة والتحرير.
يقول حسن جبريل مسؤول اللجنة الشعبية للاجئين في مخيم البريج وسط قطاع غزة: "نعم هناك نوع من القصور رغم وجود حالة من الوعي والانتماء في أوساط الأطفال اللاجئين خاصة في المخيمات".
وتابع: هناك كثير من العادات الاجتماعية التي نمارسها بقصد أو دون قصد تكرس ثقافة ومفهوم حق العودة بين الأطفال، مثل السؤال الدائم عن البلد الأصلية حين التعارف أو الزواج أو معرفة الأنساب، إلى جانب وجود بعض المناهج التعليمية التي تتحدث عن النكبة وتشريد الشعب الفلسطيني.
ويعترف جبريل بتأثير الانقسام على عملية التوعية بقضية اللاجئين، مؤكداً أن الانقسام أثر على كل شيء.
ويتذكر جبريل الكثير من النشاطات التي كانت لجنة اللاجئين في مخيم البريج تنفذها مع المدارس لتعزيز ثقافة حق العودة بين الأطفال وتلاميذ المدارس، غير أنه يعود للقول إن حالة الانقسام خلقت نوعاً من الإحباط تجاه كثير من المسميات والقضايا المهمة خاصة قضية النكبة، والآن أصبحت حلقات الصلة بين اللجان الشعبية والمدارس شبه مقطوعة خاصة المدارس الحكومية.
وزاد: إذا قدمنا طلباً لإقامة أية فعالية سيتم رفضها، في حين أن الأنشطة الحزبية تقام بكل سهولة وأحياناً من دون الحاجة إلى تصاريح أو أذون رسمية.
ولا يختلف حسن صرصور الناشط في التجمع الشعبي للدفاع عن حق العودة عن زميله جبريل من حيث انتقاد قلة البرامج الموجهة للأطفال ونقص الوعي لديهم، ويؤكد أن هناك جهوداً بسيطة للتوعية لكنها غير كافية لتوعية الأطفال والناس بأبعاد النكبة وتداعيات قضية اللاجئين.
ويشير صرصور إلى أن جميع المؤسسات والناشطين يتحملون مسؤولية التقصير الحادث في قضية توعية الأجيال الفلسطينية بقضايا النكبة وتداعياتها، ودعا إلى تجاوز الحديث عن قضية اللاجئين بشكل موسمي وعبر ردود الأفعال في المناسبات الوطنية فقط، مطالباً بالتوجه إلى عمل يومي مكثف ومستمر في روح نضالية متمسكة بالحقوق الثابتة.
وتساءل: ما الذي يمنع إقامة ندوات بشكل مستمر في المدارس والجامعات وتوزيع النشرات في المؤسسات غير الحكومية إلى جانب عقد المؤتمرات في أحياء وأزقة المخيمات والمدن بالتزامن مع عمل إعلامي متواصل على قاعدة علمية متطورة؟

نقص كبير في الوعي
ولا يختلف أحمد عاشور منسق فريق يراعات في مؤسسة تامر للتعليم المجتمعي عمن سبقوه في التدليل على وجود نقص كبير تجاه قضية اللاجئين قائلاً: لنتحدث بصراحة ومن واقع عملنا مع الأطفال سواء بشكل مباشر أو عبر مؤسسات المجتمع المحلي، هناك نقص كبير في الوعي بقضية النكبة وأسبابها وما حدث.
وتابع: بصراحة، أكثر الأطفال مغيبون ومهتمون بالقضايا الراهنة كالحرب على غزة والانقسام السياسي أكثر من اهتمامهم بمعرفة المعلومات عن بلداتهم الأصلية التي هجر آباؤهم وأجدادهم منها، لافتا إلى أن الأحداث الداخلية في غزة أثرت بشكل كبير على التلاميذ، إلى جانب الاهتمام الذي يبديه التلاميذ تجاه الانترنت والحاسوب والدردشة بشكل يفوق الاهتمام بالتاريخ الفلسطيني وقضايا النكبة.
ويؤكد عاشور أن مؤسسة تامر تعمل من خلال عدة برامج في قطاع التعليم والأدب من أجل ربط الأبناء والأطفال بتاريخهم وتعزيز معرفتهم بقضية اللاجئين، منوهاً بأن المؤسسة أنهت العام الماضي مشروعا يتعلق بالتاريخ الشفوي جرى في ختامه إصدار كتاب عن البلدات الأصلية للأطفال المشاركين.
منهاج قاصر
وعن سبل مواجهة القصور قال عاشور إن معالجة القصور موضوع يطول بحثه لكنه يؤكد الحاجة الماسة لإعادة توجيه البوصلة تجاه الوطن وتجاه فلسطين وليس الضفة وغزة فقط، مشيرا إلى أهمية أن يتصرف الكبار بمسؤولية ليؤثروا في الصغار ويعيدوا توجيه الدفة مرة أخرى نحو الهدف الصحيح حتى لا يتم فقدان التاريخ والأصالة.
بدوره، يشير الدكتور سمير مدللة رئيس مركز اللاجئين للتنمية المجتمعية في قطاع غزة إلى أوجه القصور في التعامل مع قضية اللاجئين على مستوى الأطفال والأجيال الشابة، مؤكدا أنه لم تصدر نشرات أو دوريات تخاطب الأطفال وتنمي لديهم الوعي بقضية اللاجئين وما يتعلق بها.
وقال: خلال السنوات الماضية لم يصدر سوى دليل واحد للأطفال على شكل سؤال وجواب، معتبرا أن ذلك دليل قصور كبير من دائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير والمؤسسات المهتمة بقضية اللاجئين.
وتساءل عن السبب الذي يمنع حتى الآن إضافة مادة عن اللاجئين في مادة التربية الوطنية ضمن المنهاج الفلسطيني إلى جانب إصدار النشرات المبسطة والموجهة للأطفال؟
وأشار إلى أنهم في إسرائيل يتحدثون ويعلمون أبناءهم عن أرض "إسرائيل الكبرى" ونحن نركز في مادة التربية الوطنية على النواحي الجغرافية فقط بعيدا عن وضع مساق خاص بقضية اللاجئين.
وانتقد مدللة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" لعدم تضمينها برامج ألعاب الصيف أي نشاطات عن قضية اللاجئين قائلا: إذا كانت الاونروا غير قادرة على مناقشة قضية اللاجئين مع التلاميذ من ناحية سياسية فما الذي يمنعها من الحديث عن الجانب الإنساني؟
وطالب المؤسسات غير الحكومية النشطة في قضية اللاجئين ببذل جهود كبيرة من أجل إنجاز برامج للأطفال مثلما تبذل جهودا تجاه الكبار لتنمية تمسك الطفل بحق العودة.
وقال: نحن لا ننكر الدور الذي بذلته بعض المؤسسات مثل مؤسسة بديل التي نظمت مسابقات للأطفال، إلا أن هذه النشاطات تبقى موسمية تتركز في مناسبات النكبة.
ويؤكد مدللة الحاجة لتوسيع نشاط الحركة الشعبية المدافعة عن قضية اللاجئين في أوساط الأطفال واليافعين حتى لا تضيع قضية اللاجئين لدى الأجيال القادمة.
وكان الدكتور سهيل رزق دياب الأستاذ المشارك في المناهج وطرق التدريس بجامعة القدس المفتوحة في قطاع غزة قد أجرى دراسة حول حق العودة للاجئين الفلسطينيين في المنهاج الفلسطيني أوصى في ختامها بإعادة النظر في أهداف المنهاج الفلسطيني وأسسه الفكرية والوطنية بشكل خاص، إلى جانب ضرورة إبراز القضية الفلسطينية بأبعادها المتعددة والتركيز على حق العودة للاجئين الفلسطينيين بناء على قرار الشرعية الدولية رقم 194.
كما طالب دياب بإثراء المحتوى الدراسي لكتب المنهاج الفلسطيني خاصة كتب العلوم الاجتماعية والتربية الوطنية بمعلومات تعمق حق الفلسطينيين في بلادهم وممتلكاتهم وإقامة دولتهم المستقلة، مع تشديده على أهمية تزويد كل كتاب من كتب المنهاج الفلسطيني بصفحة في بدايته تتضمن الغايات الكبرى والمنشودة من المنهاج في ظل فلسفة تربوية واضحة.
ودعا دياب إلى أن تتضمن أنشطة الكتب ومحتواها ما يشجع الطلبة على البحث وجمع المعلومات عن قراهم ومدنهم التي شردوا منها، والحرص على توظيفها توظيفاً فاعلاً.
وفي إطار قريب من الدراسة طالب الدكتور محمود حسن الأستاذ من جامعة الأقصى في قطاع غزة في دراسة متخصصة أخرى عن حق العودة في مناهج التعليم الجامعي بأن تتبنى الجامعات الفلسطينية مساقاً دراسياً مستقلاً حول حق العودة كمتطلب جامعي، بحيث يدرسه جميع طلبة الجامعة؛ مع مراعاة وضع توصيف واضح لهذا المساق يعكس ثقافة هذا الحق ويعطيه حجمه الحقيقي.
وشدد على ضرورة إعادة النظر في المساقات الدراسية الجامعية المرتبطة بحقوق الإنسان والديمقراطية، بحيث يتم إثراؤها بحق العودة كجانب تطبيقي على مفاهيم حقوق الإنسان؛ حيث لا مبرر لتدريس حقوق الإنسان بعيداً عن أهم حق إنساني للشعب الفلسطيني.
ودعا الأستاذ إلى الاهتمام الجدي بحق العودة وثقافته في مساقات التخصص لقسم التاريخ والآثار والعلوم السياسية، مع أن تفرد المساقات الدراسية مساحة كافية لهذا الحق، مؤكدا الحاجة لأن تعقد الجامعات مؤتمرات وأياما دراسية وندوات في المناسبات السياسية والثقافية المرتبطة بإحياء هذا الحق.
ونوه بأهمية أن تفتح الجامعات المجال أمام الطلبة للإبداع في مجال نشر ثقافة حق العودة عبر الإعلان عن جوائز أو منح دراسية لمن يتقدم بجهد يستحق التقدير في هذا المجال.


تاريخ نشر المقال 22 أيار 2010
ذكرى استشهاد ياسر عرفات

حكمــــــــة اليــــــــــــوم

عالم الأشبال
Developed by MONGID DESIGNS جميع الحقوق محفوظة لـمؤسسة الأشبال والزهرات © 2024